كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



(قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلَيْنِ أَيْضًا) أَيْ: كَاشْتِرَاطِ دَخْلِ الْإِمَامِ فِيهِمَا الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ، وَبِهِ يُجَابُ عَنْ تَوَقُّفِ السَّيِّدِ عُمَرَ بِمَا نَصُّهُ مَا وَقَعَ أَيْضًا هُنَا. اهـ.
(وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ) كَمَا فَسَّرَ بِهِمْ الْآيَةَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: هُمْ أَرِقَّاءُ يُشْتَرَوْنَ وَيُعْتَقُونَ، وَشَرْطُهُمْ صِحَّةُ كِتَابَتِهِمْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فَخَرَجَ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَإِنْ عَتَقَ بِمَا اقْتَرَضَهُ وَأَدَّاهُ فَهُوَ غَارِمٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُمْ وَفَاءٌ بِالنُّجُومِ، وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الْكَسْبِ لَا حُلُولِ النَّجْمِ تَوْسِيعًا لِطُرُقِ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَبِهِ فَارَقَ الْغَارِمُ، وَلَا إذْنَ لِلسَّيِّدِ فِي الْإِعْطَاءِ، وَإِذَا صَحَّحْنَا كِتَابَةَ بَعْضِ قِنٍّ كَأَنْ أَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدٍ فَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْ كُلِّهِ لَمْ يُعْطَ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً أُعْطِيَ فِي نَوْبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا وَاسْتَحْسَنَاهُ وَلَا يُعْطِي مُكَاتَبَهُ مِنْ زَكَاتِهِ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ إنْ رُقَّ، أَوْ أُعْتِقَ بِغَيْرِ الْمُعْطِي فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الْآتِي.
نَعَمْ مَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ بِغَيْرِ الْمُعْطِي لَا يَغْرَمُ بَدَلَهُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ إتْلَافِهِ كَانَ مِلْكَهُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ إنْفَاقِهِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ لَكِنْ قَبْلَ كَسْبِ مَا عَلَيْهِ لَا بَعْدَهُ لِيَقْوَى ظَنُّ حُصُولِهِ الْمُتَشَوِّفِ إلَيْهِ الشَّارِعُ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَتَقَ) أَيْ: الْمُكَاتَبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي، وَمِنْهُ كَمَا مَرَّ مُكَاتَبٌ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُمْ، وَفَاءٌ بِالنُّجُومِ، وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الْكَسْبِ) وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطَ الْفَقِيرُ، وَالْمِسْكِينُ الْقَادِرَانِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمَا تَتَحَقَّقُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَالْكَسُوبُ يَحْصُلُ كُلَّ يَوْمٍ كِفَايَتُهُ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ الْغَارِمُ) أَيْ: حَيْثُ اُشْتُرِطَ حُلُولُ دَيْنِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُعْطِي مُكَاتَبَهُ مِنْ زَكَاتِهِ) أَيْ: تَعُودُ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بِخِلَافِ الْغَارِمِ فَإِنَّ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ زَكَاتِهِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَى مَمْلُوكَهُ بِخِلَافِ الْغَارِمِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعِتْقِ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ كَسْبِ مَا عَلَيْهِ لَا بَعْدَهُ) هَذَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ جَمْعٍ الزَّرْكَشِيُّ بِهِ بَيْنَ كَلَامَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لَا بَعْدَهُ) ظَاهِرٌ فِي تَصْوِيرِهِ بِمَا إذَا اكْتَسَبَ بَعْدَ الْأَخْذِ- مِنْ الزَّكَاةِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَمَعَهُ مَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ السُّؤَالِ الَّذِي سَأَلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَإِنْ أَجَابَ عَنْهُ بِشَيْءٍ آخَرَ.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُمْ) إلَى قَوْلِهِ: أَوْ عَتَقَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: كَمَا سَيَذْكُرُهُ إلَى فَإِنْ عَتَقَ، وَإِلَى الْمَتْنِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ: وَقِيلَ إلَى وَلَا يُعْطَى.
(قَوْلُهُ: صِحَّةُ كِتَابَتِهِمْ) وَكَوْنُ الْكِتَابَةِ لِجَمِيعِ الْمُكَاتَبِ كَمَا يَأْتِي. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: فَخَرَجَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَلَا يُعْطَى؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَتَقَ) أَيْ: الْمُكَاتَبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي، وَمِنْهُ كَمَا مَرَّ مُكَاتَبٌ إلَخْ. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: صِحَّةُ كِتَابَتِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الْكَسْبِ) وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ الْقَادِرَانِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمَا تَتَحَقَّقُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَالْكَسُوبُ يُحَصِّلُ كُلَّ يَوْمٍ كِفَايَتَهُ وَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ كِفَايَةِ الدَّيْنِ إلَّا بِالتَّدْرِيجِ غَالِبًا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ: لَا حُلُولَ الدَّيْنِ) أَيْ: فَلَا يُشْتَرَطُ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ الْغَارِمُ) أَيْ: حَيْثُ اُشْتُرِطَ حُلُولُ دَيْنِهِ. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُعْطَ) لِئَلَّا يَأْخُذَ بِبَعْضِ الرَّقِيقِ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُهُ مُكَاتَبًا وَبَعْضُهُ حُرًّا أَنَّهُ يُعْطَى. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُعْطَى مُكَاتَبُهُ إلَخْ) لِعَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُعْطِيَ غَرِيمَهُ مِنْ زَكَاتِهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَى مَمْلُوكًا بِخِلَافِ الْغَارِمِ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: يَسْتَرِدُّ إلَخْ) أَيْ: مَا أَخَذَهُ مِنْ زَكَاةِ غَيْرِ سَيِّدِهِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَلَوْ عَجَّزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ اسْتَرَدَّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَتَعَلَّقَ بَدَلُهُ بِذِمَّتِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا لِحُصُولِ الْمَالِ عِنْدَهُ بِرِضَا مُسْتَحِقِّيهِ فَلَوْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ رَدَّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَغَرِمَ بَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَلَوْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ شَخْصًا لَمْ يُسْتَرَدَّ مِنْهُ بَلْ يَغْرَمُهُ السَّيِّدُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَسْتَرِدُّ إلَخْ وَقَوْلِهِ مَا أَتْلَفَهُ أَيْ: مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ.
(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْمُعْطَى) مُتَعَلِّقٌ بِالْعِتْقِ. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: مِنْ إنْفَاقِهِ) أَيْ: إنْفَاقِ الْمُكَاتَبِ الْمُعْطَى.
(وَالْغَارِمُ) الْمَدِينُ وَمِنْهُ كَمَا مَرَّ مُكَاتَبٌ اسْتَدَانَ لِلنُّجُومِ وَعَتَقَ ثُمَّ (إنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ) أَيْ: لِغَرَضِهَا الْأُخْرَوِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ (فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أُعْطِيَ) وَإِنْ صَرَفَهُ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يَتُبْ إذَا عُلِمَ قَصْدُهُ الْإِبَاحَةَ، أَوْ لَا لَكِنَّا لَا نُصَدِّقُهُ فِيهِ أَيْ: بَلْ لَابُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ، فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ عِلْمُهَا بِذَلِكَ قُلْت: لَهَا أَنْ تَعْتَمِدَ الْقَرَائِنَ الْمُفِيدَةَ لَهُ كَالْإِعْسَارِ (أَوْ) اسْتَدَانَ (لِمَعْصِيَةٍ) يَعْنِي أَوْ لَزِمَ ذِمَّتَهُ دَيْنٌ بِسَبَبٍ عَصَى بِهِ، وَقَدْ صَرَفَهُ فِيهَا كَأَنْ اشْتَرَى خَمْرًا فِي ذِمَّتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا، وَأَتْلَفَهَا لَا يَلْزَمُ ذِمَّتَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَافِرٍ اشْتَرَاهَا، وَقَبَضَهَا فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَيَسْتَقِرُّ بَدَلُهَا فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ يُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَدَانَ شَيْئًا بِقَصْدِ صَرْفِهِ فِي تَحْصِيلِ خَمْرٍ، وَصَرَفَهُ فِيهَا فَالِاسْتِدَانَةُ بِهَذَا الْقَصْدِ مَعْصِيَةٌ، وَكَأَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ عَمْدًا، أَوْ أَسْرَفَ فِي النَّفَقَةِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ صَرْفَ الْمَالِ فِي اللَّذَّاتِ الْمُبَاحَةِ غَيْرُ سَرَفٍ مَحَلُّهُ فِيمَنْ يَصْرِفُ مِنْ مَالِهِ بِالِاسْتِدَانَةِ مِنْ غَيْرِ رَجَاءِ وَفَائِهِ أَيْ: حَالًا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ مَعَ جَهْلِ الدَّائِنِ بِحَالِهِ، فَإِنْ قُلْت: لَوْ أُرِيدَ هَذَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْإِسْرَافِ قُلْت: الْمُرَادُ بِالْإِسْرَافِ هُنَا الزَّائِدُ عَلَى الضَّرُورَةِ أَمَّا الِاقْتِرَاضُ لِلضَّرُورَةِ، فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي وُجُوبِ الْبَيْعِ لِلْمُضْطَرِّ الْمُعْسِرِ (فَلَا) يُعْطَى شَيْئًا لِتَقْصِيرِهِ بِالِاسْتِدَانَةِ لِلْمَعْصِيَةِ مَعَ صَرْفًا فِيهَا، (قُلْت: الْأَصَحُّ يُعْطَى إذَا تَابَ) حَالًا إنْ غَلَبَ ظَنُّ صِدْقِهِ فِي تَوْبَتِهِ، (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)، وَكَذَا إذَا صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ كَعَكْسِهِ السَّابِقِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَعْصِيَةِ بِعُقْدَةِ الْمَدِينِ لَا غَيْرِهِ كَالشَّاهِدِ، بَلْ أَوْلَى وَلَا يُعْطَى غَارِمٌ مَاتَ، وَلَا وَفَاءَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَصَى بِهِ فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ كَذَا أَطْلَقَهُ شَارِحٌ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ بِسَبَبِهِ عَنْ مَقَامِهِ الْكَرِيمِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ بِهِ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ مِنْ حَسَنَاتِ الْمَدِينِ لِلدَّائِنِ، فَالْأَدِلَّةُ تَقْتَضِي خِلَافَهُ وَعَلَى غَيْرِ الْمُسْتَدِينِ لِنَفْعٍ عَامٍّ كَبَقِيَّةِ أَقْسَامِ الْغَارِمِ الْآتِيَةِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ جَزَمَ بِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِهَا فَقَطْ، وَهُوَ الْمُسْتَدِينُ لِلْإِصْلَاحِ، وَمَا ذَكَرْته أَوْلَى حَمْلًا عَلَى هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ.
(وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ) بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِمَّا مَعَهُ تَمَسْكَنَ كَمَا رَجَّحَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ، فَيُتْرَكُ لَهُ مِمَّا مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ أَيْ: الْكِفَايَةَ السَّابِقَةَ لِلْعُمْرِ الْغَالِبِ فِيمَا يَظْهَرُ ثُمَّ إنْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ صَرَفَهُ فِي دَيْنِهِ وَتَمَّمَ لَهُ بَاقِيَهُ، وَإِلَّا قَضَى عَنْهُ الْكُلُّ، وَلَا يُكَلَّفُ كَسُوبٌ الْكَسْبَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ غَالِبًا إلَّا بِتَدْرِيجٍ، وَفِيهِ حَرَجٌ شَدِيدٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهُ عَاصٍ بِالِاسْتِدَانَةِ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ، أَوْ تَابَ فَيُنَافِي إطْلَاقَهُمْ السَّابِقَ فِي الْفَلَسِ، بَلْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِمَّا هُنَا أَنَّ شَرْطَ ذَاكَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا يَتُوبَ وَلَك أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ ذَاكَ حَقُّ آدَمِيٍّ، فَغُلِّظَ فِيهِ أَكْثَرُ (دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى الْآنَ مَدِينًا (قُلْت: الْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ الْآنَ (أَوْ) اسْتَدَانَ (لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) أَيْ: الْحَالِ بَيْنَ الْقَوْمِ بِأَنْ يَخَافَ فِتْنَةً بَيْنَ شَخْصَيْنِ؛ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ تَنَازَعَا فِي قَتِيلٍ، أَوْ مَالٍ مُتْلَفٍ، وَإِنْ عُرِفَ قَاتِلُهُ، أَوْ مُتْلِفُهُ، فَيَسْتَدِينُ مَا تَسْكُنُ بِهِ الْفِتْنَةُ، وَلَوْ كَانَ ثَمَّ مِنْ الْآحَادِ مَنْ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ (أُعْطِيَ) إنْ حَلَّ الدَّيْنُ هُنَا أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ (مَعَ الْغِنَى) وَلَوْ بِنَقْدٍ، وَإِلَّا لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ.
(وَقِيلَ: إنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَلَا) يُعْطَى إذْ لَيْسَ فِي صَرْفِهِ إلَى الدَّيْنِ مَا يَهْتِكُ الْمُرُوءَةَ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْمَلْحَظَ هُنَا الْحَمْلُ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ وَأَفْهَمَ ذِكْرُهُ الِاسْتِدَانَةَ الدَّالُّ عَلَيْهَا الْعَطْفُ كَمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِنْ مَالِهِ لَمْ يُعْطَ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اسْتَدَانَ، وَوَفَّى مِنْ مَالِهِ وَمِنْ الْغَارِمِ الضَّامِنِ لِغَيْرِهِ فَيُعْطَى إنْ كَانَ الْمَضْمُونُ حَالًّا، وَقَدْ أَعْسَرَ، أَوْ إنْ ضَمِنَ بِالْإِذْنِ، أَوْ أَعْسَرَ هُوَ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَضْمَنْ بِالْإِذْنِ وَمِنْهُ اسْتَدَانَ لِنَحْوِ عِمَارَةِ مَسْجِدٍ وَقِرَى ضَيْفٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَأَلْحَقَهُ كَثِيرُونَ بِمَنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ، وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَآخَرُونَ بِمَنْ اسْتَدَانَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ إلَّا إنْ غَنِيَ بِنَقْدٍ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَوْ رَجَّحَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِغِنَاهُ بِالنَّقْدِ أَيْضًا حَمْلًا عَلَى هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ الْعَامِّ نَفْعُهَا لَمْ يَبْعُدْ، وَوَاضِحٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ لَمْ يَمْلِكْ حِصَّتَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَحْصُورِينَ الَّذِينَ مَلَكُوهَا.
تَنْبِيهٌ:
لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى مُكَاتَبٍ اكْتَسَبَ قَدْرَ مَا أَخَذَ الصَّرْفُ فِيمَا أَخَذَ لَهُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا الْغَارِمُ وَابْنُ السَّبِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادُوا ذَلِكَ قَبْلَ اكْتِسَابِ مَا يَفِي، وَإِنْ تُوُقِّعَ لَهُمْ كَسْبٌ يَفِي عَلَى الْأَوْجَهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِذِ، أَمَّا الدَّافِعُ فَيَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ، وَإِنْ لَمْ يَصْرِفْهُ الْآخِذُ فِيمَا أَخَذَ لَهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: مَحِلُّهُ إلَخْ) كَذَا شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: يُعْطَى إذَا تَابَ حَالًا) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَظْهَرُ فِيهَا حَالُهُ إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَالَ: يُعْطَى عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فِي تَوْبَتِهِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَبَقِيَّةِ أَقْسَامِ الْغَارِمِ) أَيْ: فَيُعْطَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: حَمْلًا إلَخْ قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَوْ مَاتَ الْغَارِمُ نَفْسُهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يُقْضَ عَنْهُ مِنْهَا، أَوْ لِلْإِصْلَاحِ قُضِيَ. اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: تَبَعًا لِمَنْ يَأْتِي قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلزَّكَاةِ بِالْبَلَدِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِلَّا قُضِيَ عَنْهُ مِنْهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ مَعَ بَقَاءِ حَاجَتِهِ، وَبِهِ فَارَقَ نَظِيرَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَالْغَازِي، وَابْنِ السَّبِيلِ حَيْثُ يَنْقَطِعُ حَقُّهُمْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ، لَكِنْ خَالَفَهُ ابْنَا الرِّفْعَةُ وَالنَّقِيبِ فَقَالَا فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا يُقْضَى عَنْهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَكَانُوا مَحْصُورِينَ، وَمَنَعْنَا النَّقْلَ كَالْفَقِيرِ قُلْنَا: لَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، وَيُسْتَرْجَعُ مِنْهُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ فَإِنَّ مِلْكَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ مُسْتَقِرٌّ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ، وَجْهٌ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ. اهـ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِلْإِصْلَاحِ قُضِيَ قَالَ فِي شَرْحِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ، وَبَعْدَهُ، وَلَا بَيْنَ انْحِصَارِ الْمُسْتَحَقِّينَ، وَعَدَمِهِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً عَامَّةً فَجَازَ أَنْ يُغْتَفَرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيُتْرَكُ لَهُ مِمَّا مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ إلَخْ) لَا يَخْلُو هَذَا عَنْ مُخَالَفَةٍ لِقَوْلِهِ السَّابِقِ قُبَيْلَ، وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرُ، وَأَنَّ ذَا الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ قَدْرُهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَصْرِيحًا بِإِعْطَائِهِ بِدُونِ صَرْفِ مَا مَعَهُ فِي الدَّيْنِ، وَفِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا بَعْدَ صَرْفِهِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ هُنَاكَ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ.